نشست علمی «مرجعیت معرفتی قرآن و اهلبیت علیهمالسلام» برگزار شد
به مناسبت ولادتهای فرخنده ائمه اطهار علیهمالسلام دانشگاه تکنیکی جنوب عراق با همکاری رایزنی فرهنگی جمهوری اسلامی ایران در بصره، نشست علمی «مرجعیت معرفتی قرآن و اهلبیت علیهمالسلام» را برگزار نمود.
این نشست روز چهارشنبه، ۵ فوریه ۲۰۲۵ (۱۶ بهمن ۱۴۰۳) ساعت ۱۰ صبح در سالن کنفرانس دانشکده تکنیکهای بهداشتی و پزشکی بصره برگزار شد و در این نشست، علامه دکتر محمدتقی سبحانی (رئیس مرکز الحضارة در لبنان و رئیس مؤسسه الامامة العالمية) و استاد دکتر محمدعلی میرزایی (عضو هیئت علمی جامعة المصطفی العالمیة در قم مقدسه) به ایراد سخنرانی پرداختند.
در ادامه متن سخنرانی استاد محمدتقی سبحانی در این نشست علمی را می خوانید:
المرجعیة العلمیة للقرآن الکریم؛ قرائة من منظور فلسفة العلوم
أنزل الله تعالى القرآن الكريم على نبيّه الأكرم (ص) بوصفه كتابًا جامعًا وخالدًا وآخر مرجع معرفي وإرشادي للبشر في جميع مجالات الحياة، وأخذ على عاتقه صيانته والحفاظ عليه، بينما أعلن رسوله الكريم (ص) أنّ التمسك بالقرآن والعترة هو السبيل الوحيد للخلاص من الضلال، ولا ريب في أنّ التمسك جبالمرجعية العلمية تعدّ أحد الأبعاد الأساسية للتمسك المعرفي والعلمي بالقرآن الكريم. و المقال الحالي يهدف إلى لزوم جعل القرآن الكريم مرشدًا أساسيًّا ومعيارًا لتقييم الحقيقة في جميع العلوم والأفعال البشرية الكبرى، والنظر إليه كأهمّ مصدر معرفي قياسًا إلى سائر المصادر المعرفية الأخرى في ميدان إنتاج العلوم وابتكارها.
لكن هناك جملة من الأسباب جعلت القرآن يفقد مكانته المرجعيةَ في عصرنا الراهن ليس في مجال العلوم الإنسانية و الطبیعیة وحسب، بل لم يُستفد منه كما ينبغي ولم يُستغلّ بالشكل المطلوب في العلوم الإسلاميه أيضًا.
إنّ طبيعة الرؤيةِ الحاكمة على النشاطات العلمية في العصر الحديث وطريقة تعاملها مع المجالات الإنسانية أفضت- إلى جانب المكتسبات الإيجابية للبشر- إلى تداعيات سلبية ونتائج مأساوية. ومن هنا، نجد أنّ التقدم العلمي نهض بمستوى حياة الإنسان من جهة، ومن جهة أخرى خلّف وراءه آثارًا مريرة على صعيد الحياة الأخلاقية والاجتماعية بسبب الفكر الحاكم والمسيطر عليه. وبما أنّ الرؤية الحاكمة على العلم في العصر الحديث ذاتُ جانب مادي بحت، فقد اقتصر التقدم والتطور على الجوانب الظاهرية فقط، وشهدت جوانبه الروحية والمعنوية انحطاطًا كبيرًا وتهاويًا خطيرًا؛ ذلك أنّ العلم الحديث يتجاهل المستويات العليا للحياة، ويشدد على إنكار ما وراء الطبيعة والمعارف الوحيانية، ولا يقرّ الهواجس الأساسية والمعنوية للإنسان، ويحجم عن الاستفادة من الاعتقادات والقيم الأخلاقية في النشاطات العلمية، ولا يكترث للآثار الهدّامة الناجمة عن رؤيته الفردية. كلّ ذلك يدلّ على أنّ عودة العلوم إلى الدين أمر ضروري، وحيث إنّ الإسلام دين الحقّ، والقرآن الكريم هو مصدره الأساس، تتبيّن ضرورة الرجوع إلى القرآن الكريم و تفسیره المعصوم من قبل نبیه الأکرم ص و اهل بیته الأطهار(ع) في العلوم كافة.
المفاهيم الأساسية
العلم
المراد من العلم في هذا المقال هو كلّ نوع من العلوم الاساسیة التي تشتمل على مجموعة من المباني والنظريات والمسائل والقضايا، وتربط بين هذه العناصر بصورة منهجية ومنسجمة. وهذا التعريف للعلم يضمّ بين دفتيه جميع العلوم البشرية، بما فيها العلوم الإنسانية(نحو التربية والسياسة والاقتصاد والحقوق والإدارة وعلم الاجتماع وعلم النفس وما شاكل) والطبيعية(کأمثال بیلوژیا و فیزیا و کیمیا و خاصة فی العلوم العملانی إن صح التعبیر مثل الطب و الهندسة و …، وكذلك العلوم الإسلامية (کالفقه و الکلام و الاخلاق و …)
المرجعية العلمية للقرآن الكريم
المراد من المرجعية العلمية للقرآن الكريم هو «التأثير الهادف والبنّاء والمنهجي للقرآن الكريم على العلوم البنيوية»، ويتجلى هذا التأثير بأشكال وصيغ مختلفة في الحقول العلمية المتنوعة، لكنّ هذا لا يعني بالضرورة التأثيرَ المباشر في جميع أبعاد العلوم.
حدود المرجعية العلمية للقرآن الكريم
تشتمل الدراسات العلمية لكلّ علم من العلوم المنتظمة والبنيوية نحوين من المباحث: مباحث ما هو خارج عن العلم، ومباحث ما هو داخل في العلم. وعلى ضوء ذلك، يمكن حصر حدود المرجعية العلمية للقرآن الكريم بما يلي:
1- ما وراء العلم وما هو خارج عنه
لكلّ علم مباحث أساسية وفرضيات لا تناقَش داخل ذلك العلم نفسه، بل تعدّ من المباحث الواقعة وراء العلم وخارجه أو قبله، وتشتمل على مباني العلوم وأصولها الوضعية ومبادئها التصورية والتصديقية. ومن هنا، تضمّ مفاهيم ما وراء العلم أمورًا من قبيل: تعريف الكون، الإنسان والمجتمع، ماهية هوية الإنسان وأبعاده الوجودية، منهج استكشاف القضايا العلمية وتحليلها، أساليب إدارة العلوم، ومراحل ابتكار العلوم وإنتاجها. وعلى هذا الأساس، فمراحل ما وراء العلم عبارة عن:
أ- المباني والمبادئ الوضعية للعلوم: كلّ علم بنيوي يقوم على أساس طائفة من المباني والمبادئ الأساسية والمفاهيم العامة التي تكون بمنزلة إطار لذلك العلم، وتؤثر على أجزائه وأبعاده بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وقد تعامل المجتمع العلمي مع هذه المفاهيم على أنّها أمور مفروضة ومسلّمة، فلا تُبحث في صلب تلك العلوم. والمرجعية العلمية للقرآن الكريم في هذه المباني والمبادئ الأساسية والمفاهيم العامة تعني تقييم مبادئ العلوم الموجودة ومفاهيمها الأساسية من وجهة نظر القرآن الكريم، واقتراح أصول ومبادئ جديدة لإحداث تحول في العلوم.
ب- المنهجية: المراد من المرجعية العلمية للقرآن الكريم في المنهجية هو تقييم المناهج المتنوعة للعلوم المختلفة من منظار القرآن الكريم، أو تقديم مناهج وقواعد وتوجهات منهجية جديدة.
ج- إدارة العلوم: يتحقق تأثير القرآن الكريم على صياغة السياسات وسيرورة إنتاج العلم عن طريق بعض المقاربات والتدابير، مثل التبصير والتوعية، الدراسات المستقبلية، الترتيب والقولبة، التطبيق، وتشكيل أنظمة المتقدمين.
2- ما هو داخل في العلم
الدراسات الداخلية للعلم ناظرة إلى الأجزاء والمكونات الموجودة في كلّ علم من العلوم، وهي خمسة أجزاء:
أ- الأسس والمبادئ الأساسية للعلم: وهي مجموعة من المفاهيم والقضايا ذات الصلة بعلم خاصّ والتي تشكّل أسسه وركائزه الأساسية، فيمثل موضوع العلم وحدوده (نطاقه) وتوجهاته الرئيسة المبادئ الأساسية لكلّ علم.
ب- قواعد العلم وأصوله: المقصود بقواعد العلم وأصوله مجموعة القضايا العامة التي تجري وتتحقق في العلم كلّه أو بعضه بسبب عمومية الموضوع والحكم، وإن كانت تعتبر من جنس قضايا العلم ومسائله، [وذلك من قبيل قواعد الفقه وقواعد الكلام وغيرها، ]وغالبًا ما يعبَّر عن هذه القواعد في العلوم الطبيعية والإنسانية بـ «القوانين» أيضًا.
ج- الفرضيات والنظريات: الفرضية عبارة عن توضيح مقترح لبيان الظاهرة أو الواقعة الخاصّة والقابلة للاختبار، أو هي أول حلّ مقترح للبحث لغرض حلّ كلّ مسألة من مسائل العلوم. والنظرية هي الرؤية المتحصّلة من الفرضيات التي تتبلور على أساس القواعد والقوانين العامة للعلم، ثم تُعمَّم بعد خضوعها للاختبار. وبهذا المعنى، بوسع القرآن الكريم مساعدة العلماء في بلورة بنية ومحتوى الفرضيات والنظريات في دائرة العلوم الإسلامية والإنسانية.
د- قضايا العلم ومسائله: تشكّل القضايا العلمية حجرَ الأساس للاستدلال على مسألة البحث وإثباتها، وترشد الباحثَ في بحثه ودراسته، فعند مواجهة الباحث للمسألة العلمية يسعى- من خلال إلمامه بالوضع القائم- إلى الانتقال إلى الوضع المنشود، لكنّ الانتقال من الوضع القائم إلى الوضع المنشود ليس بالأمر اليسير، فالطريق إلى ذلك غير واضح المعالم. والقرآن الكريم لا يقدّم العون في تطوير العلوم وتعميقها باقتراح المسائل العلمية فحسب، وإنّما يرشد العلماء والمفكرين إلى إنتاج القضايا العلمية بتوفير الأرضية اللازمة لحلّ المسائل.
هـ- النماذج والأنماط: النماذج والأنماط في العلوم هي حصيلة سلسلة من القضايا والنظريات التي ترسم دائرة من الحدود العلمية ضمن منظومة واحدة على أساس القواعد الكلية وفي سياق نظام داخلي. والمراد من مرجعية القرآن الكريم في النماذج والأنماط هو أن تقوم العلوم بتعريف الأنماط على أساس الصيغ والأنساق القرآنية من خلال الاستفادة من مكتسباتها.
أشكال تأثير القرآن الكريم
مع قبول نظرية أنّ القرآن الكريم يمثل مرجعية رصينة في المجالات والحقول العلمية المختلفة، لا بد من الإجابة عن السؤال التالي: ما أشكال تأثير القرآن الكريم في المجالات العلمية المذكورة؟ ذلك أنّ التأثيرات القرآنية ليست على وتيرة واحدة، فينبغي تحديد الصيغ والأشكال التي يؤثر فيها القرآن في كلّ محور من المحاور المشار إليها، ومن ثم وضع منهجية خاصّة لكلّ شكل من أشكال التأثير. وتتلخص أشكال المرجعية العلمية للقرآن الكريم بما يلي:
1- التأثير الاستنباطي (المرجعية بمنزلة المصدر)
المرجعية الاستنباطية بمعنى أن تُستنبط مباني العلم ومضمونه ومنهجه وأصوله أو مسائله من القرآن بصورة مباشرة، فلإنتاج العلم القرآني مراحل ومراتب مختلفة، أولها {الرجوع المباشر إلى القرآن الكريم لاستخراج القضايا وشبكة معاني الموضوع المبحوث. ومن هنا، فإنّ أحد ميادين مرجعية القرآن الكريم هو مراجعته والاستفادة المباشرة من لآلئه وجواهره عن طريق التفسير والاجتهاد والاستنباط. وعليه، فمصدرية القرآن الكريم بمعنى استخراج المباحث العلمية- الأعمّ من الداخلة في صلب العلم والخارجة عنه- من نصوص القرآن الكريم بصورة مباشرة.}
2- التأثير الاستلهامي (المرجعية بمنزلة الملهم)
معنى التأثير الاستلهامي للقرآن الكريم هو أنّه مع عدم توفر مضمون مباشر بصورة موضوعية واجتهادية في القرآن بشأن المسألة أو القضية العلمية المطلوبة، يمكن استلهام الرؤية الخاصّة للقرآن في هذا الصدد من مجموع مفاد الآيات القرآنية الشاملة للمعارف والأحكام والقصص والمواعظ والتوصيفات الواردة بشأن تلك المسألة. ومن الواضح أنّه لا دلالة مطابقية وتضمنية ولزومية قطعية في منطق الاستلهام بين ما نفهمه وما هو موجود في نصّ القرآن الكريم، بل هو انطباع أبعد من الدلالة اللفظية في دائرة الفهم، بحاجة إلى تدوين أسلوب ومنهج خاصّ.
3- التأثير الاستكمالي (المرجعية بمنزلة المكمّل)
التأثير الاستكمالي للقرآن الكريم بمعنى إكمال النظريات والأفكار البشرية العلمية وتتميمها؛ وعلى هذا الأساس تكتمل الأفكار وترتقي النظريات العلمية القائمة على أساس الفهم والعقل البشري بمعونة الفهم القرآني، وتتكشّف للعقل بواسطتها أبعاد جديدة، لا يمكن أن تُفهم من دون مراجعة القرآن. وفي هذه الحالة، لا يُستخرج مطلب مستقلّ من القرآن، وإنّما يضفي القرآن الكريم عمقًا على النظرية أو الفكرة ويوسع دائرتها.
4- التأثير الحكَمي (المرجعية بمنزلة الميزان)
المقصود من التأثير الحكَمي للقرآن الكريم هو تأييد الفكرة أو النظرية العلمية أو ردّها، بمعنى أن تُعرض على القرآن أحيانًا قاعدة أو نظرية أو قضية علمية، وبعد بحثها ودراستها يتبيّن أنه موافق لمضمونها، أو رافض لها تمامًا، أو مؤيد لجانب منها ومنكر لبعض أبعادها. وعليه، ليس المراد من كون القرآن الكريم حكَمًا هو الردّ أو التأييد الكامل للقضية والموضوع، بل يتّضح من خلال تحكيم القرآن الكريم وإجرائه مقارنة بين النظريات والأقوال الأخرى أيّها أقرب إلى الواقع وأرجح من سواه.
5- التأثير الرؤيوي (المرجعية بمنزلة المحدّد والمغيّر للرؤية)
التأثير الرؤيوي يعني تصرّف القرآن الكريم فيما وراء المعرفة البشرية بالنسبة إلى الإنسان والعالم، فبتغيير رؤية الإنسان وتوجهه تتغير نظرته إلى المباني والمناهج التي يبحث الظواهر والقضايا بواسطتها. وتفيدنا دراسة تاريخ العلم بوقوع تغييرات وتحولات أساسية في العلوم عن طريق التغيير المذكور، ومع حدوث تغيير في نظرة الإنسان إلى الدنيا والإنسان يطرأ تغيّر على الفلسفة والعلم ومجالات الإدارة والتقنية أيضًا.
و من هنا نعتقد أن من خلال دمج العلوم التطبيقية مع القيم الإسلامية، يمكننا تطوير حلول مبتكرة للتحديات المعاصرة، مع الحفاظ على الأخلاقيات والمبادئ الإسلامية. هذا التفاعل بين العلم والإسلام يمكن أن يؤدي إلى تقدم المجتمعات الإسلامية وتعزيز هويتها في عالم يتسم بالتغير السريع والتحديات المتعددة.
و السلام علیکم و رحمة الله و برکاته